بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب "الفلاسفة والمترجمون السريان"
تأليف: أفرام يوسف
بروفيسور ومؤرَّخ عراقيّ الأصل. أرَّخ للحضارات في بلاد الرافدين في مؤلَّفاتٍ عديدة صدرت بالفرنسيَّة. ويُعتبر من الشخصيَّات العراقيَّة البارزة في الحقل الثقافيّ الفرنسيّ. وُلد في قرية (سناط) التابعة لمدينة (زاخو) العام 1944 في محافظة (دهوك) شمال العراق. أتمَّ دراسته الإعداديَّة في الموصل، وانتقل بعدها إلى لندن، ومنها بدأت رحلة الغربة.
حصُلَ على شهادة الدكتوراه في الحضارات القديمة من جامعة (نيس) ودكتوراه في الفلسفة من جامعة (تولوز)، وعلَّم فيها سنين عديدة. استقرَّ في باريس منذ العام 1992 معلَّماً ومحاضراً في معاهدها ومراكزها العلميَّة وجامعاتها، ومنذ خمس عشرة سنة يعمل مديراً لقسم الشرق الأوسط والمغرب العربيّ في دار (رماتان) إحدى كبريات دور النشر الفرنسية، كذلك هو أحد الأعضاء المؤسَّسين لمجمع الدراسات السريانيَّة في باريس، وعضو في إدارة تحرير مجلّة الدراسات السريانيَّة، وعضو في اتّحاد الكُتَّاب الفرانكوفونيّ للناطقين بالفرنسيَّة. له مؤلَّفات وأبحاث عديدة بالفرنسيَّة، تُرجم بعضها إلى العربيَّة والتركيَّة، ومن مؤلَّفاته (عطور الصبا في سناط، وبلاد الرافدين، وجنَّة الأيام الخوالي، وملحمة دجلة والفرات، والمؤرّخون السريان، وازدهار الفلسفة عند السريان، وأزمنة في بلاد الرافدين، والمؤرخون السريان يتكلَّمون عن الحروب الصليبيَّة، والمدن الساطعة في بلاد الرافدين العليا، والفلاسفة والمترجمون السريان)، وهو الكتاب الذي سنتحدث عنه وقد ترجمه إلى العربية «شمعون كوسا»، وصدر عن دار المدن بدمشق 2009.
ترجمة وتحقيق: شمعون كوسا
نُبذة عن الكتاب:
قسَّم المؤلف كتابه هذا إلى تمهيدٍ ومقدَّمة وستة أقسامٍ وخاتمة، وجعل لكل قسمٍ عدة فصول، ثم أتبعه بملحقٍ ذكر فيه أسماء فلاسفة الإغريق الذين ترجم الفلاسفة السريان أعمالهم وشرحوها.
ـ التمهيد.. ذكر فيه أصل السريان، فقال: هم من صُلب الشعوب الشرقيَّة العريقة، وكانوا شعباً واحداً بتاريخه وثقافته ولغته، وفي القرن الخامس الميلاديّ انقسموا إلى طائفتين (النساطرة) وهم السريان الشرقيّون، واستقروا في بلاد ما بين النهرين وفي إيران، و(اليعاقبة) السريان الغربيّون، وسكنوا في سورية وفي أعالي بلاد ما بين النهرين بالإضافة إلى الموارنة في لبنان، ثم تكلَّم عن اللغة السريانيَّة التي هي لهجة من لهجات اللغة الآراميَّة، وبيَّن تطورها وازدهارها، ثم ذكر حروفها الصامتة المشتقَّة من اللغة الفينيقيَّة، وذكر أن السريان اعتنقوا الديانة المسيحيَّة التي انتشرت في مناطق أعالي بلاد ما بين النهرين منذ نهاية القرن الأول الميلاديّ بفضل المبشَّرَين (آدي وماري)، وازدهرت هذه الديانة بين التُّجَّار اليهود، وامتدَّ انتشارها منذ القرن الثاني الميلاديّ لتصبح قرابة سنة 205م الديانة الرسميَّة للملك (أبجر الثامن) ملك مدينة الرها المعروفة حيث كانت اللغة السريانيَّة سائدةً في ربوعها، وأدَّى اعتناق هذه الديانة إلى القيام بالترجمات الأولى للأناجيل إلى اللغة السريانيَّة، وظهور كتاب (تاطيانوس) المعروف باسم (الديانيسارون)، ثم ذكر ما تعرَّض له السريان من هجمات الرومان والفرس وغيرهم.
ـ المقدمة: ذكر فيها علاقة السريان بالإغريق، فقد استطاع سريان بلاد ما بين النهرين وسورية بناء التراث الفلسفيّ بكل أناة، فقد حاولوا من القرن الثاني ولغاية القرن الرابع عشر الميلادي إيجاد حلولٍ للمشكلات الكبرى المتعلَّقة في مجالات الفلسفة والعقائد الدينيَّة، لذلك صوَّبوا أنظارهم إلى الوراء نحو بلاد الإغريق الذهبيَّة التي كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في تطوّر العلوم الفلسفيَّة، واخترعت طريقة التفكير المنطقيّ، وأنشأت أسس حضارةٍ كبيرة، وهكذا فقد روى السريان عطشهم الفكريّ عبر الانتهال من ينابيع العبقريَّة الإغريقيَّة، فقد كانوا يدركون بأن هدف العالم يتمثَّل في التطوّر والرُّقيّ.
وأكَّد أن السريان كانوا يريدون الوصول إلى تعميق التراث الإغريقيّ للعصور القديمة، وذلك استناداً إلى حكمة المفكَّرين القدماء، فاستطاعوا خلال حقبةٍ زمنيَّة مبكرة عن طريق مدارسهم (أنطاكية ـ نصيبين ـ الرها...) الحصول على الأعمال الفلسفيَّة والعلميَّة الإغريقيَّة، وبدؤوا بتعليم مبادئ علم المنطق المرتكز على أفكار أرسطو الفلسفيَّة، والتي استخدمت أسلوب التأويل في تفسير النصوص الدينيَّة.
لقد فتح العلماء السريان صفحات المُؤلف المشهور (أورغانون) وهو ستَّة كتب في المنطق لأرسطو (322-348ق. م) كما لو كانوا يفتحون خزانة من الخشب الثمين، حيث استطاعوا من خلاله نشر عبق عطور الأرض البعيدة المُشِعَّة بالعقل الحكيم، كذلك نقلوا من اللغة الإغريقيَّة إلى اللغة السريانيَّة بعض الأعمال المُهمَّة التي حرَّرها الطبيب الفيلسوف من مدينة بيرغام جالينوس (131-201م)، وهكذا فقد نُقلت الكثير من الكتب الفلسفيَّة الإغريقيَّة إلى الحضارة العربيَّة عن طريق المفكَّرين المسيحيَّين السريان الذين لعبوا دور المترجمين والمفسَّرين الذين عملوا ضمن حاشية الخلفاء العبَّاسيَّين في بغداد، وأشهرهم على الإطلاق «حنين بن إسحاق» (808-873م).
ثم تابع المؤلف في المقدَّمة الحديث عن انتشار الثقافة الإغريقيَّة ونهضة مدارسها، مثل أكاديميَّة أفلاطون، ومدرسة أرسطو، والمدرسة الأبيقوريَّة، والرواقيَّة والرواقيَّة الجديدة، والأفلاطونيَّة الجديدة، كما ذكر أهمَّ أعلام كلّ مدرسة.
ـ القسم الأول: تبدأ فصول الكتاب.. فيدخل بالقارئ إلى القسم الأول ليعرِّفه إلى الفلاسفة السريان في الإمبراطوريَّة الرومانيَّة الشرقيَّة، فيذكر الرواقيّ (مارا) السريانيّ بن سرابيون والذي أصله من مدينة سميساط عاصمة مملكة كوماجين الواقعة على سلسلة جبال طوروس شمال سورية ونهر الفرات، ويعرَّج على ذكر رسالته إلى ابنه «ساربيون» بعدما سُجن على أيدي الرومان، ويؤكَّد أن رسالته هذه تُعدّ مأثرة أدبية كُتبت من داخل السجن، وفيها يوصي ابنه بالمثابرة على الدراسة والبحث عن الحكمة والإصرار على العمل والصبر، كما يؤكد فيها أهمية التربية والثقافة.
ثم يمر القارئ على (برديصان) وهو من مدينة الرها (ت 222م)، وكان قد عاش ضمن حاشية الملك أبجر الثامن، بعدما تلقى ثقافةً هيلينيَّة إغريقيَّة متينة واطَّلع على الفلسفة الرواقيَّة السائدة في ذلك العصر، وقد كتب عنه المؤرخ «أوسابيوس القيصريّ» 341م سيرة ذاتية موجزة ضمن كتابه (التاريخ الكنسيّ) وأشاد فيه بكفاءته في علم الفلك وبمعرفته الواسعة للغتين السريانيَّة واليونانيَّة، وعندما ضمَّ الإمبراطور «كاركلا» مدينة الرها إلى إمبراطوريته وجعلها مستعمرةً رومانية في سنة 213م رحل «برديصان» إلى أرمينيا.
ومما يُذكر أن المستشرق «كورطون» اكتشف في عام 1845 مخطوط كتاب (شرائع البلدان) لـ«برديصان»، وهو في ثلاثين ورقة كتب في 7 ق. م، وقد ناقش د. «أفرام» في كتابه أفكاره بتفصيل.
يعرَّج المؤلف بالقارئ بعد ذلك على (هيباس) المترجم (ت بعد سنة 457م)، فيذكر قصة افتتاح مدرسة الرها المنحازة إلى الفلسفة الأرسطوطاليَّة وتطوُّرها وازدهارها، والتي فيها درس «هيباس» ومنحها نهضتها المهمَّة. يتنقل المؤلف بعد ذلك بالقارئ من حكيمٍ إلى حكيم ومن فيلسوفٍ إلى آخر، ففي كتابه وفي كل فصل من فصوله باقة من أعلام السريان، فبعد «هيباس» يحدَّثنا عن (بروبا) الحكيم الذي عاش في القرن الخامس والسادس الميلاديَّين، وهو الذي ترجم كتاب (إيساغوجي) للفيلسوف «فرفوريوس» إلى السريانيَّة ثم شرحه، كذلك ترجم كتاب (القياس في المنطق) لـ«أرسطو» ووضع له شرحاً، ثم ينقلنا إلى وردة أخرى من باقته فيذكر «سرجيوس الرأسيغي»، هذا السوريّ الذي (ت بعد سنة 536م) كان كرسولٍ آتٍ من بعيد، وكان طبيباً فيلسوفاً نشأ في مدينة رأس العين ودرس ونهل من رحيق الكتب الإغريقيَّة حتى استطاع سحب خيط الفلسفة الحساس والرفيع بين يديه وحمَّله بأجمل الرسائل التي وجهها إلى أصدقائه السريان، وتعلّم «سرجيوس» لبعض الوقت في الإسكندريَّة حيث حضر دروس الفيلسوف «أقونيوس» ت517م، ومن جملة مؤلَّفاته بعض المخطوطات المحفوظة اليوم في مُتحف لندن وهي في المنطق، ورقمها 14658.
ـ القسم الثاني: يعرفنا الكاتب على فصوله الأربعة، فيطلعنا في الفصل الأول على مدرسة نصيبين، وعلى «فرساي» ت504م، والمولود قريباً من مدينة دهوك، درس تسع سنوات في مدرسة عين دولبا، وبعدما علا نجمه وذاع صيته كثرت تلاميذه، حتى أن تلاميذ الرها ترددوا إليه، وكان قد زيّن رفوف المدرسة بمؤلفاته وكتاباته العديدة التي فقد معظمها، ثم يعرفنا في الفصل الثاني على المدارس الكبرى في شرق بلاد ما بين النهرين، مثل مدرسة ديرقوني وسلوق وجنديسابور والحيرة وأربيل ومدرسة قرية كشكر وباشوش ودير ماربثيون في بغداد، بالإضافة إلى عدة مدارس أخرى، وفي الفصل الثالث يعرفنا على «بولس الفارس» الفيلسوف السرياني الذي عاش أيام «كسرى أنوشروان»، وأهداه تفسيره لأرسطو الذي كتبه بالسريانية، أما في الفصل الرابع، فيتحدث عن «أحّوقيه» الذي عاش في ق6. م، وترك أكثر من عشرة مؤلفات فلسفية.
ـ القسم الثالث: بعنوان الفلاسفة السريان في عهد الخلفاء الأمويين فيعرفنا على فصوله الخمسة، يُطلعنا في الفصل الأول على «ساويرا سابوخت» ت667م، المولود في نصيبين مدينة الألف حديقة، درس في دير قنسرين، الفلسفة والرياضيات والعلوم الكنسية، كما تعمق في دراسة اللغات السريانية والإغريقية والفارسية، وانتهى به الأمر أسقفاً للدير نفسه، كما شهد فتح العرب لبلاده حتى أرمينيا، ومن مؤلفاته نسخة من مخطوط يتحدث فيه عن الأسطرلاب المحفوظ في مدينة برلين، وقد قام «فرانسوانا» الفرنسي بطبعه ونشره عام 1899.
أما في الفصل الثاني فيحدثنا الكاتب عن «أثناسيوس البلدي وجورج أسقف العرب»، وقد عُرِف «أثناسيوس» بمجموعته التي ترجمها من اليونانية إلى السريانية، أما «جورج» ت 724م فقد كان أسقفاً لأبرشية عاقولا (قريبة من الكوفة) وترك عدة مؤلفات وترجمات، بعضها ما زال محفوظاً إلى اليوم في المتحف البريطاني، وفي الفصل الثالث يحدثنا عن «يعقوب الرهاوي» ت708م، فعرفنا أنه كان فيلسوفاً ومؤرخاً ونحوياً، وقد اشتهر بتفسيره للكتاب المقدس، بالإضافة إلى تاريخه الكبير ومواعظه ومراسلاته، وآخر كتاب ألَّفه (هكساميرون) وهو على شكل حوار بينه وبين أحد تلامذته، أما الفصل الرابع فخصصه لـدورس «بركوني» من أعلام ق7. م، وهو من الذين كرَّسوا حياتهم للدراسة، فترك عدة مؤلفات أهمها كتاب (السكوليين) ومنه نسخة محفوظة اليوم في مدينة أورميا ونسخة أخرى في مدينة القوش، كما يوجد بعض القطع منه في كمبردج وبرلين، وفي الفصل الخامس عرَّفنا على «خانيشوع» ت693م، المعروف بغزارة علمه وشغفه بالفلسفة، لكن غيرة البعض وحسدهم لنجاحه أوصلته إلى غياهب السجن، ثم النفي إلى دير يونان قرب الموصل، لكنه خلَّف سبعةً وأربعين عملاً متنوعاً في المواعظ والرسائل والأحكام القانونية.
ـ القسم الرابع: بعدما تنسَّمنا مع المؤلف رحيق أزهار الرابع، يأخذ بنا إلى رياض القسم الرابع (الفلاسفة السريان في عهد العباسيين)، حيث يتحدث عن دور المسيحيين في قيامهم بكثير من أعمال الدولة، بالإضافة إلى ممارستهم الطب والترجمة، ثم يذكر لنا باقة من أعلام المترجمين السريان الذين ترجموا الكثير خلال الخلافة العباسية، فتحدث عن «جبريائيل بختيشوع» ت826م، و«عبديشوع بن بهريز، يوحنا بن ماسويه ت857م، وسلمويه بن نبهان ت840م، وابن نعيمة الحمصي»، لكنه توسع في سردسيرة «حنين بن إسحاق» ت873م، وذكر ما ألفه وترجمه من كتب، و«إسحاق بن حنين» ت910، الذي أدرك العصر الذهبي للترجمة، وكان مثقفاً موهوباً أنيقاً، ثم ذكر «حُبيش وعدي بن يحيى»، بعد ذلك ينتقل بنا إلى العالِم المنطقي «متَّى بن يونس» ت940م، الذي ترك لنا ترجمات برع فيها كما ترك عدة شروحات، و«يحيى بن عدي الحكيم» ت974م، والذي أصله من تكريت، ثم يذكر «عين بن زرعة» المولود سنة 943م، وكان طبيباً منطقياً، وينهي القسم الرابع بـ «أبي الخير الحسن بن سوار» المولود سنة 942م، و«بابن الطيب» ت1043م.
ـ القسم الخامس: بعدما أنهى جولته على أزهار باقة القسم الرابع يأخذ المؤلف بيد القارئ ليعرفه على بعض فلاسفة السريان ومترجمهم في عهد المغول فيعرفه على «ابن العبري» الفيلسوف واللاهوتي ت1286م، و«عبديشوع الصوباوي» الذي عرف فيلسوفاً وقانونياً ت1318م.
ـ القسم السادس: حيث ينهي المؤلف كتابه بالقسم السادس، وفيه يُحلِّق بالقارئ نحو الشرق فيعرفه عن امتداد الفلسفة والثقافة السريانية في الهند وآسيا الوسطى (مرو، سمرقند، القبائل التركية المغولية، والصين، كما يُحلِّق بالقارئ أيضاً نحو الغرب فيطلعه كيف وصلت ثقافة السريان إلى الأندلس وإيطاليا الجنوبية وصقلية.
وأخيراً.. إن ما ذكرتُه يُعَدّ إضاءة بسيطة على كتاب لا يستغني عنه باحث في تاريخ السريان والشرق والمنطقة عموماً، فهو يعطينا معلومات مهمة عن فلاسفة السريان الذين قاموا بجهود جبارة في ترجمة كتب الإغريق للغة العربية في أوج حضارتهم، ومنها نُقلت للغرب بعدما هذَّبوها ونقحوها وأضافوا إليها الكثير، فكان لهم السبق في كل ذلك. تاريخ النشر: 01/09/2010
الناشر: المركز القومى للترجمة
النوع: ورقي غلاف عادي
حجم: 24×17
الطبعة: 1
مجلدات: 1
اللغة: عربي
سعر الكتاب بالمكتبات: 35.65 جنيهاً
سعر الكتاب بالنيل والفرات: 35.65 جنيهاً
لشراء الكتاب
اضغط على أيقونة
أضف إلى عربة التسوق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق