الأحد، 18 ديسمبر 2011

كتاب "الترجمة: تاريخها .. نظرياتها .. تطبيقاتها"

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب "الترجمة: تاريخها .. نظرياتها .. تطبيقاتها"


المؤلفان: علي المناع و فيصل المناع
الناشر: دار السياب للطباعة والنشر والتوزيع - لندن
سنة النشر: 2008

كتبها: مراد حميد عبدالله
     كتاب "الترجمة: تاريخها .. نظريَّاتها .. تطبيقاتها"  - وكما يوحي اسمه - ليس كتاباً نظريَّاً يعالج نظريَّات الترجمة التي نادى بها فريدريش Friedrich ودرايدن Dryden وتايتلر Tytler وشوبنهاور Schopenhauer وشلايرماخر Schleiermacher وياكوبسون   Jakobsonودوليه Dolet  وديريدا Derrida  وآخرون، ولا هو كتاب عمليّ يقدم نصوصاً جاهزةً مُترجمة، بل هو كتاب يقف في الوسط بين النظريَّة والتطبيق، يعالج المشكلات التي يواجهها المترجم فيزوَّده بحلولٍ لتلك المشكلات. تناول المؤلَّفان في المقدّمة نُبذةً تاريخيَّة سلَّطا الضَّوء فيها على أهمّ المراحل التي مرَّت بها الترجمة عند العرب والغرب، وحاولا أيضا أن يصلا إلى تعريفٍ دقيقٍ للترجمة. وعلى الرغم من كثرة التصنيفات التي يمكن أن تُصنَّف من خلالها الترجمة، نحو: ترجمة تقنيَّة وترجمة غير تقنيَّة، ترجمة تلخيصيَّة وترجمة تفسيريَّة، ترجمة تحريريَّة وترجمة شفويَّة، ترجمة حُرَّة وترجمة حرْفيَّة إلخ، إلاَّ أنَّ المؤلَّفين ركنا في هذا الكتاب إلى طريقة بيتر نيومارك Peter Newmark في تصنيفه الترجمات وهي: ترجمة حرْفيَّة، وترجمة أمينة، وترجمة متوازنة، وترجمة اصطلاحيَّة وترجمة حُرَّة، وذلك لأنها الأكثر تطبيقاً في الحياة العمليَّة.
     قسَّم المؤلّفان هذا الكتاب إلى بابين: الباب الأوَّل يعالج مشكلاتٍ لُغويَّة يواجهها المترجم في الحياة العمليَّة، نحو التَّذكير والتَّأنيث، والمثنَّى وتجانس الكلمات واختلافها من لغةٍ إلى أخرى، والتَّعميم والتَّخصيص، والاسم المعدود وغير المعدود، وترجمة الأمثال والمصطلحات والأقوال المأثورة، وغيرها من المشكلات اللُّغويَّة المُهمَّة. في تحليلهما لهذه المشكلات، لم يتقيَّدا باللُّغتين الرَّئيسيَّتين في هذا الكتاب وهما العربيَّة والإنكليزيَّة، بل تناولا لغاتٍ مختلفة كالألمانيَّة واليابانيَّة والإسبانيَّة والفرنسيَّة والايطاليَّة والبولنديَّة. وأفردا فصلاً كاملاً للأفعال المساعدة في اللغة الإنكليزيَّة لما لها من أهميَّة في تغيير معنى الجملة وذلك لاختلاف الوظائف التي تؤدَّيها. كذلك خصَّصا فصلاً كاملاً لروابط اللُّغة العربيَّة بطريقةٍ تعدّ الأولى من نوعها، إذ  عُولجَت الرَّوابط في اللُّغة العربيَّة مُعالجةً مفصَّلةً وشاملة.
     قسَّم المؤلَّفان الباب الثاني إلى أحدَ عشرَ فصلاً، وكان هدفهما من ذلك الشُّموليَّة وعدم التَّقوقع في نوعٍ واحد من النُّصوص، فتطرَّقا للنصّ الطبيّ، والعلميّ، والتاريخيّ، والقانونيّ، والرياضيّ، والجغرافيّ، والصحفيّ، والسَّياسيّ، والدينيّ، والأدبيّ، وكذلك الرسائل. لم يترجما جميع النُّصوص في هذا الباب، بل ترجما قسماً وزوَّدا القسم الآخر بشروحاتٍ تُعين الطالب والمتدرَّب على ترجمتها، وتركا قسماً آخر من دون شروحاتٍ كيّ يتمرَّن عليه الطالب إمَّا بنفسه أو بمساعدة أستاذه. ويمكن الاستفادة، على حدّ تعبيرهما، من النُّصوص المترجمة في هذا الكتاب بطريقةٍ أخرى، وذلك من خلال نقد الترجمات التي اقترحاها، وهي إحدى وسائل تعلُّم الترجمة. وكي لا يكون النقد عشوائياً لا يستند إلى أسسٍ علميَّة، اقترح المؤلَّفان أن يُسلَّط الضوء في نقد الترجمات المقترحة في هذا الكتاب على النقاط أدناه:
•1- مدى استيعاب المترجم للنصّ comprehension؟ 
•2- الدقَّة في الترجمة accuracy؟
•3- هل هناك حذوفات omission ، ولماذا؟
•4- هل هناك إضافات addition ، ولماذا؟
•5- هل النص المترجم مترابط نصيَّاً cohesion؟
•6- هل النصّ المترجم مترابط منطقيَّاً coherence؟
•7- هل الترجمة تتناسب مع نمط النص text type؟
•8- هل توجد أخطاء إملائيَّة spelling mistakes؟
•9- هل توجد أخطاء نحويَّة grammatical mistakes؟
•10- هل حافظ المترجم على هُويَّة النصّ register؟
وفي المقدّمة تناولا تتبُّعاً تاريخياً لتطوُّر الترجمة عند العرب والغرب، أدناه مقتطفات منها:
الترجمة عند العرب:
     الترجمة فنّ وعلم من العلوم المهمَّة التي تمتد جذورها إلى عصورٍ قديمة، فقد تنبَّه العرب إلى أهميَّة الترجمة منذ العصر الجاهليّ، عندما كانت تربطهم عَلاقات تِجاريَّة واقتصاديَّة بالأقوام المحيطة بهم، مثل الفُرس والرُّوم والأحباش، فكانت الحاجة إلى الترجمة والمترجمين، وإن كان ذلك بشكلٍ بدائيّ. وبقيت الحاجة إلى الترجمة والمترجمين على مرّ العصور بشكلها البدائيّ ولم تتبلور إلاَّ في العصر العبَّاسيّ. 
مرَّت الترجمة في العصر العبَّاسي بدورين[1]: بدأ الدَّور الأوَّل في عهد الخليفة العبَّاسيّ الثاني أبي جعفر المنصور، وكان من أشهر مترجمي تلك الحقبة يحيى بن البطريق وجورجيس بن جبرئيل الطبيب وعبدالله بن المُقفَّع. ومن الكتب التي تُرجمت آنذاك كتاب الأدب الصغير وكتاب الأدب الكبير وكلاهما من الأدب الفارسيّ، وكذلك كتب المنطق لأرسطو وغيرها. أمَّا الدَّور الثاني فقد بدأ في عهد الخليفة العبَّاسيّ السَّابع، المأمون، عندما أنشأ "بيت الحكمة" في بغداد الذي وضع أساسه الخليفة العبَّاسيّ الخامس هارون الرَّشيد عندما جمع فيه كتباً مُهمَّة من الهند والرُّوم والفُرس وغيرها. وفي عهد المأمون انتعشت أحوال المترجمين ومن ثمَّ الترجمة. فبالإضافة إلى ما كان يغدقه على مترجميه من رواتب خياليَّة، كان يوزّع كلَّ يوم ثلاثاء جوائز تبلغ وزن الكتاب إن استحسنه ذهباً.[2]: من أشهر المترجمين في تلك الحقبة: يوحنَّا بن البطريق والحجَّاج بن مطر وحُنين بن إسحاق ويحيى بن عدِيّ ومتَّي بن يونُس وسنان بن ثابت وعبد المسيح بن ناعمة الحمصيّ الذين ترجموا كتباً عديدة في المنطق والطبّ والطَّبيعة والفلسفة والسّياسة مثل: كتاب الشّفاء من الأمراض وكتاب القوى الطبيعيَّة وكلاهما لجالينوس وكتاب أصول الهندسة لإقليدس وكتاب السّياسة لأفلاطون وغيرها.
      يذكر البهاء العامليّ في (الكشكول)، نقلاً عن الصَّلاح الصَّفديّ، أن كان للترجمة في عهد المأمون   طريقان أحدهما طريق يوحنَّا بن البطريق وابن ناعمة الحمصيّ وغيرهما، وهو أن يُنظر إلى كلّ كلمةٍ مفردة من الكلمات اليونانيَّة وما تدُلّ عليه من المعنى، فيأتي النَّاقل بلفظةٍ مفردة من الكلمات العربيَّة، ترادفها في الدّلالة على ذلك المعنى فيثبتها وينتقل إلى أخرى حتَّى يأتي على جملة ما يريد تعريبه. وهذه الطَّريقة رديئة لوجهين:
أحدهما أنَّه لا يوجد في الكلمات العربيَّة كلمات تقابل جميع كلمات اليونانيَّة، ولهذا وقع من خلال التعريب الكثير من الألفاظ اليونانيَّة على حالها. الثَّاني أنَّ خواص التَّراكيب والنّسب الإسناديَّة لا تطابق نظيراتها من لغةٍ أخرى دائماً؛ وأيضا يقع الخلل من جهة استعمال المجازات وهي كثيرة في جميع اللُّغات.
الطَّريق الثَّاني في التَّعريب طريق حُنين بن إسحاق والجوهريّ وغيرهما، هو أن يأتي بالجملة فيحصّل معناها في ذهنه ويعبّر عنها من اللُّغة الأخرى بجملةٍ تطابقها سواء ساوت الألفاظ أم خالفتها. وهذا الطَّريق أجود ولهذا لم تحتج كتب حُنين بن إسحاق إلى تهذيبٍ إلاَّ في العلوم الرّياضيَّة؛ لأنَّه لم يكن قيّماً بها بخلاف كتب الطبّ والمنطق والطبيعية، فإنَّ الذي عرَّبه منها لم يحتج إلى إصلاح[3].
الترجمة عند الغرب:
يعود تاريخ الترجمة عند الغرب إلى ترجمة التَّوراة السبعينيَّة التي تعدّ أوَّل ترجمةٍ للعهد القديم من العبريَّة إلى الإغريقيَّة. عمِلَ على ترجمتها سبعون أو اثنان وسبعون مترجماً، إذ أرسل كبير الكهنة في إسرائيل آنذاك، المترجمين إلى الإسكندريَّة بناءً على طلب حاكم مصر، لترجمة التَّوراة لصالح الجالية اليهوديَّة الموجودة في مصر والتي لم يكن بمقدورها قراءة العهد القديم بلغته الأصليَّة، وهى العبريَّة. أصبحت هذه الترجمة فيما بعد الأساس لترجماتٍ أخرى، فقد تُرجِمت فيما بعد إلى اللُّغة اللاتينيَّة والقِبطيَّة والأرمينيَّة والجورجيَّة واللُّغة السلافيَّة. وعلى الرغم من أنَّ (ترجمة التوراة السبعينيَّة) كانت رديئةً من النَّاحية العمليَّة إلاَّ أنَّ هذا لم يقّوض صورتها، بل على النَّقيض من ذلك، لا تزال هي الترجمة التي تعتمدها الكنيسة اليونانيَّة حتَّى يومنا هذا، وكانت الأساس لعددٍ من التَّرجمات إلى لغاتٍ أخرى في بلدان البحر المتوسّط القديمة[4].
     وفي العصور الوسطى تأثَّرت الترجمة نسبياً، والسَّبب في ذلك يعود إلى الاعتقاد السَّائد آنذاك وهو أنَّ الشَّخص لا يعدّ مفكّرا وعالماً بالمعنى الحقيقيّ مالم يكتب باللُّغة اللاتينيَّة[5]، لذا كتب المفكّرون والعلماء أفكارهم مباشرةً باللُّغة اللاتينيََّة التي كانوا يجيدونها بالإضافة إلى لغتهم الأمّ.
* الكتاب بالمكتبات *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق